في كل الدول في أنحاء العالم، أجد بوب مارلي هو رمز الحرية" فـ"مارلي" المغني والملحن والناشط السياسي الجامايكي استطاع عبر موسيقى "الريجي" التي أسسها وفلسفة "الرستفارية" التي اعتنقها وآمن بها أن يؤسس لتيار موسيقي وفكري جديد تجاوز جزيرته الصغيرة "جامايكا" إلى كافة أنحاء العالم.. تيار لا يزال مؤثرا رغم مرور ربع قرن على وفاة مؤسسه.
جاميكا.. جابت ولد
ولد بوب مارلي في فبراير 1945 في قرية صغيرة بمنطقة "سانت أن" في جامايكا لأب بريطاني هو نورفال مارلي الضابط في البحرية البريطانية وأم جامايكية سمراء تدعى سيديلا.
وكانت والدة بوب هي صاحبة التأثير الأكبر في نشأته بسبب غياب والده عن جامايكا نظرا لظروف عمله حتى توفي في العام 1955، وقد أكد بوب مارلي في أكثر من مناسبة أن كونه ابنا لزواج رجل أبيض وامرأة سمراء لم يكن ذو أثر عليه، وكرر في أكثر من مناسبة عبارة واحدة ينفي عن نفسه فيها ميله نحو أي من الجانبين قائلا:" لم أنحز إلى جانبي الأبيض أو إلى جانبي الأسود، لقد انحزت إلى جانب الله الذي خلقني واختار لي أن أكون نتاجا لزواج أبيض وسمراء".
وسرعان ما انتقل مارلي مع والدته إلى العاصمة الجامايكية كينجستون التي كانت في تلك الفترة حلما لسكان القرى، لكنها لم تكن كذلك بالنسبة لمارلي ووالدته، فقد اضطرا إلى العيش في ضاحية ترينش تاون الفقيرة والتي أثرت النشأة فيها في نتاج مارلي الموسيقي بشكل كبير فيما بعد.
كوب من القهوة
بدأت موهبة مارلي الموسيقية في الظهور في سن الثامنة عشرة حين اكتشفه المنتج الموسيقي ليزلي كونج وأتاح له الفرصة لتسجيل أول أغنيتين من تأليفه عام 1962 وهما "لا تحكم علي judge not" و"كوب من القهوة one cup of coffee" وشهد العام التالي تأسيس مارلي مع مجموعة من زملاؤه وفي مقدمتهم بوني ليفينجستون وبيتر ماكلينتوش لفرقة موسيقية أسموها "الشكاءين ""the wailers كان بوب مارلي هو كاتب أغانيها و المغني الرئيسي فيها، وسرعان ما تصدرت أغنية الفرقة "simmer down" قائمة الأغاني في جامايكا وأتبعها مارلي بعدد من الأغاني مثل "400 عام " و"روح ثائرة soul rebel" والتي بدت ملامح أفكاره السياسية تتبدى للمرة الأولي فيها.
وفي عام 1966 تزوج بوب مارلي من ريتا أندرسون وانتقل معها إلى الولايات المتحدة حيث تأثر بحركة الحقوق المدنية التي كانت نشطة آنذاك في الولايات المتحدة للمطالبة بحقوق الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية.
وقتها بدأت الرسالة في موسيقى مارلي تأخذ اتجاها أكثر حدة ووضوحا، وبدا ذلك واضحا في مجموعة الأغاني التي عمل على تقديمها مع زوجته وفرقته في الفترة ما بين 1968 و1972 و التي تضمنها الألبوم الأول للفرقة "أمسك بالنار catch a fire" الذي صدر عام 1973 وتضمن أغاني لمارلي مثل "قم وانتفض getup, stand up" والتي وجهها إلى كافة المضطهدين في العالم خاصة المضطهدين بسبب لونهم.
وقد اختارت منظمة العفو الدولية هذه الأغنية لتكون نشيدها الرسمي، إضافة إلى أغنيته المثيرة للجدل "قتلت رئيس الشرطة I shot the sheriff" والتي وجهت نقدا حادا لفكرة السلطة، ورغم انفصال أعضاء الفرقة في العام 1974، إلا أن نفس العام شهد انطلاقة بوب مارلي نحو العالمية.
بوب.. نجم الريجي
في عام 1975 حقق بوب مارلي انتشارا عالميا واسعا تجاوز حدود جامايكا والولايات المتحدة عبر أغنيته الرومانسية "لا تبك يا امرأة no woman, no cry" والتي ضمنها جزءا من ذكرياته عن طفولته وصباه في ترينش تاون :
"لا زلت أذكر ، كيف كنا نجلس سويا
في الحديقة العامة في ترينش تاون
ونراقب المنافقين وهم يختلطون
بالأناس الطيبين
كنا لنا أصدقاء طيبين
وفقدناهم في طريقنا"
وعلى مدى السنوات التالية استطاع مارلي أن ينشر موسيقى "الريجي" التي قام بتطويرها على مستوى العالم، وهي موسيقى تقليدية جامايكية ذات أصول أفريقية تعتمد على الإيقاع السريع وتتميز باستخدام آلة الجيتار بشكل مكثف.
وهو ما ينعكس بوضوح في أغاني مارلي التي حظيت أفريقيا بنصيب وافر فيها مثل أغنية "زيمبابوي" التي غناها في احتفال زيمبابوي بنيلها الاستقلال عام 1980 و"قطار زيون"و"أتحدي يا أفريقيا" وأغنيته الشهيرة "الحرب" التي شن فيها حملة على كافة الأنظمة العنصرية التي تصر على معاملة السود كمواطنين من الدرجة الثانية.
فنان..بدرجة مناضل
وما لا يعرفه كثيرين من عشاق بوب مارلي عنه هو تعرضه لعدة محاولات اغتيال كان أبرزها في عام 1976 لدى عودته إلى جامايكا وخلال استعداده لإقامة عدة حفلات غنائية تحت عنوان "ابتسمي يا جامايكا" لدعم رئيس الوزراء مايكل مانلي في الانتخابات التشريعية، حيث اقتحم مجموعة من المسلحين منزل مارلي وأطلقوا الرصاص عليه وعلى زوجته ومدير أعماله دون تايلور مما أدى إلى إصابة مارلي بجروح بالغة، لكنه سرعان ما عاد إلى خشبة المسرح وأكمل حملته الغنائية .
وفي 1977 وأثناء لعبه الكرة أصيب مارلي في ساقه مما أدى إلى اكتشافه أنه مصاب بمرض السرطان ، وبدأت معركة صراع طويل مع المرض انتهت بوفاة مارلي في إحدى المستشفيات بولاية فلوريدا في أميركا عام 1981 .
لعل أفضل تكريم لبوب مارلي جاء بعد وفاته، فقد تجاوزت مبيعات ألبوماته الثلاثمائة مليون نسخة وتم اختيار ألبومه "الخروج exodus" من قبل مجلة تايم الأمريكية كأفضل ألبوم في القرن العشرين وقامت هيئة الإذاعة البريطانية BBC باختيار أغنيته "حب واحد ONE LOVE" لتكون أغنية الألفية الثانية كما اختارته أحد استطلاعات الرأي كأكثر الفنانين تأثيرا في النصف الثاني من القرن العشرين.
ولأنه من هؤلاء البشر الذين يبقون في الذاكرة مهما مرت السنون هذا العام نحتفل بمرور ربع قرن على رحيل بوب مارلي وروحه الثائرة.
من موقع بوب مارلى :c486d